فساد ملف “المهجرين” “إبراء مستحيل” جديد أم دخلنا في انهيار الدومينو؟
الهدر والفساد وجهان لعملة واحدة، وهذه هي الحال في ملف “المهجرين” بإجماع اللبنانيين أقلّه على الهدر منذ إنشاء الوزارة والصندوق المركزي للمهجرين عام 1993. أياً تكن المبررات للهدر من “مقتضيات المصلحة الوطنية” الى “فكفكة العقد على أرض الواقع” فهي لا تشفع بمرتكبيها.
وأياً تكن خلفيات رسالة وزير المهجرين الأسبق غسان عطالله بتاريخ 17/1/2020 المرفقة بالوثائق والمستندات بشأن “مجموعة من المخالفات الإدارية وهدر المال العام والفساد الموصوف في الوزارة وصندوق المهجرين” والموجّهة إلى وزير العدل آنذاك ألبرت سرحان، طالباً منه تحويلها إلى النيابة العامة وهيئة القضايا في وزارة العدل لإجراء المقتضى القانوني، فهذه الخطوة سلّطت الضوء على الملف عبر مقاربته بالأطر القانونية بعدما تم تناوله مراراً في المماحكات السياسية.
لا يأبه اللبنانيون لحسن أو سوء نوايا عطالله، أو إن جاء تحريك الملف في فترة تصريف الأعمال وإنفراط عقد التضامن الوزاري أو بعد حادثة قبرشمون وإحتدام الكباش بين الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر” أو بعد ثورة 17 تشرين، وجلّ إهتماماتهم أن تشرّع أبواب “مغارة علي بابا”. لا يريدون الإفتراء على أحد من الطبقة التي حكمت البلد منذ الطائف بل معرفة كل المزاريب التي أوصلتهم الى الإنهيار المالي والاقتصادي. لذا يعوّل كثر منهم على أن يعرّي أهل السلطة بعضهم من ورقة “التكاذب” أو “تبادل المصالح” ويتساقطون كأحجار الدومينو. كما يأملون أن يشمل أي تدقيق مالي جنائي هذا الملف.
في 30/12/2020 نشر الاعلام الالكتروني العوني الرسمي تقريراً تحت عنوان “صفقات وسرقات وتنفيعات وزارة المهجرين” ينعش في الذاكرة خطوة عطالله مصوباً بشكل أساسي على “الاشتراكي”، ربما لإقدام الاخير في 15/12/2020 على تقديم إخبار للنيابة العامة التمييزية في ملف مناقصات بواخر الكهرباء.
نصّ التقرير المصور حرفياً على: “بدل ما ترجّع المهجر ثَبَتّو بمحل إقامتو. ألاف الطلبات قدمت ودُفع لها من دون وثائق. دفع خلو لناس إحتلوا بيوت غيرهم شكّل 37% من مصاريف صندوق المهجرين. الإخلاءات في بيروت تمت لتفريغ وسط بيروت لصالح “سوليدار”. المهجِّر قبض والمهجَّر ما قبض. صحيح إسمه صندوق المهجرين ولكنه إشتغل تزفيت ومدارس وابار مياه وطرقات وأكيد بلا مناقصات وبلا مرور بمجلس الإنماء والإعمار ومع نفس المقاولين الاربعة دائماً. في أيام مروان حمادة ونعمة طعمة كانوا يوقّعون على ورقة بيضاء من دون الحاجة الى سند أو صك كي يقبض الواحد. ثمة موظف له سنتان في كندا ومازال يقبض معاشه وغيره في نفس الحال. في أرض 7 الاف متر مربّع بالاشرفية يملكها اناس من آل جوخدار محتلها شخص من الشوف منذ العام 1976 ومعمر عليها. الوزير عطالله وقّع على قرار الاخلاء ولم ينفذ حتى الآن. المستولي على الأرض طالب بمليون دولار والشباب في الصندوق بنصف مليون. في منطقة المدوّر دفع 30 مليون ليرة لبيوت لا تستوفي الشروط! تم الدفع لسوريين ومصريين وفلسطيين وبنغلادشيين بدل اخلاء! في ناس معمرة ع سكت الحديد قبضت! في ناس كانت ساكنة بمستشفى بعبدا الحكومي قبضت تعويضات لاخلائه واعادته الى الدولة (القانون واضح بالا يدفع لمن يشغل املاك الدولة)!!! بالدكوانة في ألف طلب إعمار دفعوا عن سبعين عقاراً وقيمة الهدر هنا 23 مليار ليرة!!! في موظفين بحوذتهم أموال وعقارات غير مبررة من معاشهم، ادعت عليهم هيئة القضايا بتهمة الإثراء غير المشروع بعد تحقيقات قام بها المحامي ربيع فخري. التفتيش المركزي بعدو عم يحقق بملفات أكبر وأكثر من هيك بكثير. بالخلاصة الوزارة 85% من حياتها للحزب الاشتراكي كل موظفينها تابعين للحزب وتُستعمل كمقر له في موسم الانتخابات وتستعمل الداتا تبعها لمصلحة الحزب بموسم الانتخابات!!! بعد في اشيا كتير وكلو موثق. بس تأكدوا انو المافيا الحاكمة والماسكة القضاء مش بالسهولة بتقشط. حكوا وكتبوا وغردوا لأن غير هيك بضلوا الحرامية حاكمين”.
في السنة الرابعة على عهد العماد ميشال عون حيث كانت وزارة العدل طيلة هذه المدة بيد وزرائه الى جانب أكبر كتلة نيابية ووزارية، يتحدث تياره عن أن المافيا الحاكمة والممسكة بالقضاء لا تسقط بسهولة!
مصادر مطلعة على الملف لدى “التيار” لم تنكر في حديث لـ”أحوال” تلمسها بطءاً في سير التحقيقات، وعن تخوفها من تمييع الملف الذي يشمل مخالفات لوزراء خصوصاً مع إقتصار الادّعاء على موظّفين تقول: “الإجابة عند القضاء وهذا ليس الملف الوحيد المقدم لديه ومن أكثر من فريق. إتكالنا على التفتيش المركزي والمطلوب منه التوسّع بالتحقيق خصوصاً أنه لمس بيده أخطاء فادحة في قرارات عدد من الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة المهجرين. اليوم سيكون هذا الملف امام المدعي العام التمييزي ونأمل أن تكون لديه الجرأة الكافية للادعاء على المتورطين ولتبرئة البريئين – اذا وجدوا – لأن الملف يعني جميع اللبنانيين على إختلاف أطيافهم. مع إشارة الى أن الشراكة بين الوزراء والموظفين واضحة ربما بسبب انتمائهم الى الفريق السياسي نفسه”.
المصادر تؤكد ألا “كيدية” في خطوة أبي خليل أو إستهدافاً لـ “الاشتراكي” الذي يصوّب على “التيار” في ملف الكهرباء، وتضيف: “إخبار عطالله مقدم منذ أكثر من عام وليس بجديد وحتماً ليس موجهاً ضد فريق او طائفة او حزب بل كل من تظهره التحقيقات متورطاً عليه أن يحاسب تحت سقف القانون. حتى عطالله هو تحت مجهر القضاء وذلك لمعرفة كل الحقائق. وحبذا ايضاً لو تجري التحقيقات في وزارة الطاقة لتتم محاسبة من عرقل تطبيق الخطة على مر السنوات”.
تختم المصادر: “سواء أصبحت الطريق سالكة بين المختارة وميرنا الشالوحي أو لا، ملف الفساد في وزارة المهجرين أصبح في عهدة القضاء ومنفصلاً عن العلاقة السياسية بين الطرفين. التيار لم يساوم يوماً على محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين بهدر المال العام حتى حين أبرم تفاهمات مع عدد من الأفرقاء”.
لطالما دعا العماد عون رئيس الحزب “التقدمي” وليد جنبلاط الى إعادة أجراس الكنائس للمسيحيين، ثم حسمها بعد لقائهما في المختارة في 20/2/2010 قائلاً: “لو كانت أجراس الكنائس موجودة في المختارة لعرضها علي”. ليعود بعد التباعد بينهما ويعلن من الرابية في 30/4/2012: “في كتير وقاحة صار، مننسى انو الجراس طاروا مننسى ومنغفر للمجازر بس بدون ياخدوا حريتنا ما بيصير”.
فهل تكون متابعة ملف “المهجرين” كـ”نغمة الاجراس” ومصيره ككتاب “الإبراء المستحيل” نحييه تارة ونهمله طوراً؟! أم أننا فعلاً نعيش مرحلة تساقط أحجار الدومينو ولا عودة الى الوراء؟!
جورج العاقوري